كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأقوى أدلة من قال بالوجوب: هو ما قدمنا في الصحيحين من حديث جندب بن سفيان البجلي، من أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر من ذبح قبل الصلاة بالإعادة، وأمر من لم يذبح بالذبح. وقد قدمنا دلالة الأمر على الوجوب والحديث المختلف في وقفه ورفعه، الذي قدمنا، لأن قوله فيه «فلا يقربن مصلانا» يفهم منه أن ترك الأضحية مخالفة غير هينة، لمنع صاحبها من قرب المصلى وهو يدل على الوجوب. والفرق بين المسافر والمقيم عند أبي حنيفة لا أعلم له مستندًا من كتاب ولا سنة، وبعض الحنفية يوجهه، بأن أداءها له أسباب تشق على المسافر، وهذا وحده لا يكفي دليلًا، لأنه من المعلوم أن كل واجب عجز عنه المكلف، يسقط عنه لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وأما الذين قالوا: بأن الأضحية سنة مؤكدة، وليست بواجبة، فاستدلوا بأدلة منها: ما رواه مسلم في صحيحه: حدثنا بن أبي عمر المكي، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاَ» قيل لسفيان: فإن بعضهم لا يرفعه. قال: لَكِني أرفعه. اهـ. وفي لفظ عنها، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم: «إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرًا ولا يقلمن ظفرًا» وفي لفظ له عنها مرفوعًا «إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره». اهـ.
كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من حديث زوجه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، ووجه الاستدلال بها، على عدم الوجوب أن ظاهر الرواية: أن الأضحية موكولة إلى أرادة المضحي، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك.
قال النووي في شرح المهذب: بعد أن ذكر بعد روايات حديث أم سلمة المذكورة ما نصه: قال الشافعي: هذا دليل أن التضحية ليست بواجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم، وأراد فجعله مفوضًا إلى أرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلا يمس من شعره، حتى يضحي. اهـ منه.
وقال النووي في شرح المهذب أيضًا: واستدل أصحابنا، يعني لعدم الوجوب بحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هن على فرائض وهن لكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الضحى» رواه البيهقي بإسناد ضعيف. ورواه في موضع آخر وصرح بضعفه وللحديث المذكور طرق، ولا يخلو شيء منها من الضعف ولم يذكرها النووي. ثم قال النووي: وصح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: أنهما كانا لا يضحيان، مخافة أن يعتقد الناس وجوبها. اهـ. كلام النووي. وقال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين. وقد استدل لعدم وجوبها: المجد في المنتقى بحديثين، ولا تظهر دلالتها على ذلك عندي كل الظهور. قال في المنتقى: باب ما احتج به في عدم وجوبها، بتضيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أمته: عن جابر قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي» وعن علي بن الحسين، عن أبي رافع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب للناس أوتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: اللهم هذا عني وعن أمتي جميعًا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم» رواه أحمد. اهـ من المنتقى.
وقال شارحه في نيل الأوطار: ووجه دلالة الحديثين، وما في معناهما على عدم الوجوب: أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضح، سواء كان متمكنًا من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك، بأن حديث: «على كل أهل بيت أضحية» يدل على وجوبها على كل أهل بيت، يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على عدم الوجوب، لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه، ولا ضحى عنه غيره، فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره صلى الله عليه وسلم من الأمة مستلزمًا، لعدم وجوبها على من كان في غير عصره صلى الله عليه وسلم منهم. اهـ.
من نيل الأوطار. وقد رأيت أدلة القائلين بالوجوب، والقائلين بالسنة. والواقع في نظرنا أنه ليس في شيء من أدلة الطرفين، دليل جازم سالم من المعارض على الوجوب، ولا على عدمه لأن صيغة الأمر بالذبح في الحديث الصحيح وبإعادة من ذبح، قبل الصلاة، وإن كان يفهم منه الوجوب على أحد الأقوال، وهو المشهور في صيغة الأمر. فحديث أم سلمة الذي ظاهره: تفويض ذلك إلى أرادة المضحي، وهو في صحيح مسلم يمكن أن يكون قرينة صارفة عن الوجوب في صيغة الأمر المذكور، وكلا الدليلين لا يخلو من احتمال، وحديث: «من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا» رجح أكثر الأئمة وقفه، وقد قدمنا أن ابن حجر قال: إنه ليس صريحًا في الإيجاب وأجاب القرطبي في المفهم عن دلالة صيغة الأمر في قوله: فليعد، وقوله: فليذبح وقال: لا حجة في شيء من ذلك، على الوجوب وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية، لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطًا أو جهلًا، فبين له وجه تدارك ما فرط منه. اهـ. محل الغرض منه بواسطة نقل ابن حجر في الفتح.
قال مقيده عفا لاله عنه وغفر له: الذي يظهر لي في مثل هذا الذي لم تتضح فيه دلالة النصوص على شيء معين إيضاحًا بينًا أنه يتأكد على الإنسان: الخروج من الخلاف فيه، فلا يترك الأضحية مع قدرته عليها، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، فلا ينبغي تركها قادر عليها، لأن أداءها هو الذي يتيقن به براءة ذمته، والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة:
الأول: قد علمت: أن أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم على أن الأضحية: سنة لا واجبة، والمالكية يقولون: إن وجوبها خاص به صلى الله عليه وسلم، وقد علمت أن الأحاديث الواردة في ذلك لا تخلو من ضعف، وقد استثنى مالك، وأصحابه الحاج بمنى، قالوا: لا تسن له الأضحية لأن ما يذبحه هدي لا أضحية، وخالفهم جماهير أهل العلم نظرًا لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى. قال البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء: حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة، وهي تبكي» الحديث وفيه: «فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قالوا ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر» اه. وقال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج»، الحديث بطوله، وفيه فقالت: «وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر» اه من صحيح مسلم. قالوا: فقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه ببقر يوم النحر بمنى»، وهو دليل صحيح على مشروعية الأضحية للحاج بمنى.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين دليلًا عندي في هذا الفرع قول مالك وأصحابه، وإن خالفهم الجمهور، وأن الأضحية لا تسن للحاج بمنى، وأن ما يذبحه هدي لا أضحية، وأن الاستدلال بحديث عائشة المتفق عليه المذكور آنفًا لا تنهض به الحجة على مالك وأصحابه، ووجه كون مذهب مالك: أرجح في نظرنا هنا مما ذهب إليه جمهور أهل العلم، هو أن القران العظيم دال عليه، ولم يثبت ما يخالف دلالة القران عليه سالمًا من المعارض من كتاب أو سنة، ووجه دلالة القران على أن ما يذبحه الحاج بمنى: هدي لا أضحية، هو ما قدمناه موضحًا لأن قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام فَكُلُواْ مِنْهَا} [الحج: 27- 28] الآية فيه معنى: أذن في الناس بالحج: يأتوك مشاة وركبانًا لحكم. منها: شهودهم منافع لهم، ومنها: ذكرهم اسم الله: {على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} [الحج: 28]، عند ذبحها تقربًا إلى الله، والذي يكون من حكم التأذين فيهم بالحج، حتى يأتوا مشاة وركبانًا، ويشهدوا المنافع ويتقربوا بالذبح، إنما هو الهدي خاصة دون الأضحية لإجماع العلماء على أن للمضحي: أن يذبح أضحيته في أي مكان شاءه من أقطار الدنيا ولا يحتاج في التقرب بالأضحية، إلى إتيانهم مشاة وركبانًا من كل فج عميق. فالآية الظاهرة في الهدي، دون الأضحية، وما كان القران أظهر فيه وجب تقديمه على غيره، أما الاحتجاج بحديث عائشة المتفق عليه: «أنه ضحى ببقر عن نسائه يوم النحر صلوات الله وسلامه عليه» فلا تنهض به الحجة، لكثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنهن متمتعات، وأن ذلك البقر هدي واجب، وهو هدي التمتع المنصوص عليه في القرآن وأن عائشة منهن قارنة والبقرة التي ذبحت عنها: هدي قران، سواء قلنا إنها استقلت بذبح بقرة عنها وحدها، كما قدمناه في بعض الروايات الصحيحة، أو كان بالاشتراك مع غيرها في بقرة، كما قال به بعضهم: وأكثر الروايات ليس فيها لفظ: ضحى، بل فيها: أهدى، وفيها: ذبح عن نسائه وفيها: نحر عن نسائه فلفظ ضحى من تصرف بعض الرواة للجزم، بأن ما ذبح عنهم من البقر يوم النحر بمنى: هدي تمتع بالنسبة لغير عائشة، وهدي قران: بالنسبة إليها، كما هو معلوم بالأحاديث الصحيحة، التي لا نزاع فيها، وبهذا الذي ذكرنا تعلم أن ظاهر القران مع مالك، والحديث ليس فيه حجة عليه.
وقال ابن حجر في فتح الباري: في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن بعد ذكره رواية: ضحى المذكورة ما نصه: والظاهر أن التصرف من الرواة، لأنه في الحديث ذكر النحر، فحمله بعضهم على الأضحية، فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك، كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ: أهدى، وتبين أنه هدي التمتع، فليس فيه حجة على مالك في قوله: لا ضحايا على أهل منى اه محل الغرض من فتح الباري، وهو واضح فيما ذكرنا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثاني: اعلم أن من ذبح أضحية، قبل أن يصلي إمام المسلمين صلاة العيد، فإن ذبيحته لا تجزئه عن الأضحية، وإنما شاته التي ذبحها شاة لحم يأكلها هو من شاء. وليست بشاة نسك، وهذا ثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.
قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن زبيد اليامي، عن الشعبي، عن البراء رضي الله عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يبدأ به في يومنا هذا أن يصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» اه محل الغرض منه. وفي لفظ للبخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة. فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين»اهـ. وفي لفظ للبخاري، عن أنس بن مالك أيضًا قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر: «من كان ذبح قبل الصلاة فليعد» الحديث. وفي لفظ للبخاري من حديث البراء، عنه صلى الله عليه وسلم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين»اهـ.
وقد قدمنا في حديث جندب بن سفيان البجلي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» الحديث إلى غير هذا من الروايات بمعناه في صحيح البخاري، وكون الأضحية المذبوحة قبل الصلاة: لا تجزئ صاحبها الذي ذكرنا في صحيح البخاري، أخرجه مسلم أيضًا من حديث جندب بن سفيان البجلي، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، فهذه الأحاديث المتفق عليها عن جندب والبراء وأنس: نصوص صريحة في أن من ذبح أضحيته قبل صلاة الإمام صلاة العيد: أنها لا تجزئه، وإن كان الإمام الأعظم، هو إمام الصلاة فلا إشكال، وإن كان إمام الصلاة غيره، فالظاهر: أن المعتبر إمام الصلاة، لأن ظاهر الأحاديث: أنها يشترط لصحتها، أن تكون بعد الصلاة، وظاهرها العموم سواء كان إمام الصلاة الإمام الأعظم أو غ يره، والعلم عند الله تعالى.
والأظهر: أن من أراد أن يضحي بمحل لا تقام فيه صلاة العيد، أنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي فيه الإمام صلاة العيد عادة، ثم يذبح. والله تعالى أعلم.
وقد جاء في صحيح مسلم وغيره، ما يدل على عدم إجزاء ما نحر قبل نحره صلى الله عليه وسلم. وظاهره: أنه لابد لإجزاء الأضحية، من أن تكون بعد الصلاة، وبعد نحر الإمام، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الثالث: في سن الأضحية التي تجزئ. والأظهر: أن السن التي تجزئ في الأضحية هي التي تكون مسنة، فإن تعسرت المسنة أجزأته جذعة من الضأن.
قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن»اهـ.
وقال النووي في شرح هذا الحديث ما نصه: قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم، فما فوقها. وهذا تصريح: بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال. وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض، ونقل العبدري وغيره، من أصحابنا، عن الأوزاعي أنه قال: يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن. وحكي هذا عن عطاء. وأما الجذع من الضأن فمذهبنا، ومذهب العلماء كافة: أنه يجزئ سواء وجد غيره أو لا وحكوا عن ابن عمر والزهري: أنهما قالا: لا يجزئ. وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث. قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن، وأنها لا تجزئ بحال. وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره، لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن، مع وجود غيره وعدمه. وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب والله أعلم.
إلى أن قال: والجذع من الضأن: ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل ما له ستة أشهر.
وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: ابن عشرة. حكاه القاضي، وهو غريب.
وقيل: إن كان متوالدًا من بين شابين، فستة أشهر، وإن كان من هرمين فثمانية أشهر اه محل الغرض منه. وقال في شرح المهذب: ثم الجذع ما استكمل سنة على أصح الأوجه إلى آخر الأوجه التي ذكرها في شرح مسلم. وتقدم نقلها عنه آنفًا. وقال أيضًا: وأما الثني من الإبل فما استكمل خمس سنين، ودخل في السادسة. وروى حرملة عن الشافعي أنه الذي استكمل ست سنين، ودخل في السابعة.
قال الروياني: وليس هذا قولًا آخر للشافعي، وإن توهمه بعض أصحابنا، ولَكِنه إخبار عن نهاية سن الثني، وما ذكره الجمهور بيان لابتداء سنه، وأما الثني من البقر فهو ما استكمل سنتين، ودخل في الثالثة.
وروى حرملة عن الشافعي: أنه اما استكمل ثلاث سنين، ودخل في الرابعة. والمشهور من نصوص الشافعي الأول وبه قطع الأصحاب وغيرهم من أهل اللغة وغيرهم. والثني من المعز فيه عندهم وجهان: أصحهما: ما استكمل سنتين. والثاني: ما استكمل سنه اهـ منه.